رســـــايـــــــل
جمعية أهلية مصرية

محمد محمود خليل

متحف محمد محمود خليل واحد من أهم المتاحف في مصر. وهو في الاصل قصر لصاحبه، جمع فيه مختارات من كنوزالفن العالمي، ثم وهبه مزارا ومتحفا للمتذوقين.
محمد محمود خليل، واحد من اثنين تدين لهما حركة الفنون في مصر الحديثة. الاول هو الأمير يوسف كمال الذي انشا مدرسة الفنون الجميلة. اما محمود خليل، فقد وهب نفسه وماله لاقتناء الاعمال الفنية ورعاية الفنانين.
لقد استطاع الرجلان (الامـيـروالبك) أن يناضلا من أجل إرساء مبـادئ جديدة، وقيم عصرية حتى يمكن خلق ذوق جديد يواكب الحركة التي مهدت لثورة 1919 لتتضافر مع افكار لطفي السيد ومحمد عبده وفرح أنطون وسلامة موسى وطه حسين والعقاد ومحمد حسين هيكل، ساعين نحو بلورة مشروع جديد يرسي مبادئ للسياسة والفكر و الفنون.

في منزله.. قصره.. متحفه.. تتجاور اللوحات والعصور تصرح بان للرجل فضل، كبير في عالم الفنون، ليس في مصر فحسب، بل في العالم أجمع.
وتبقى روحا محمود خليل وزوجته اميلين هكتور اسمى واعظم، حيث تنازلا وبطيب خاطر عن هذا المتحف لشعب مصر لقيمته الفنية التي لا تقدر بثمن.

لقد شيد متحف محمد محمود خليل في العام 1920 وافتتح بإنجـازه الجديد في اكتوبر 1995، وبعد نصف القرن من وفاة صاحبه امكن تحقيق وصيته بتحويل قصره الى متحف فني يحتوي على روائع الفن، واحتفل بافتتاح المتحف في احتفال بهيج حضره كل عشاق الفنون الجميلة في مصر، وكان لافتتاحه صدى عالمي اهتمت به كل الأوساط الفنية على المستويين المحلي وا لعالمي.

وقد ظل القصر منذ إنشاؤه حتى عام 1960مسكنا لأسرة محمد محمود خليل, ومقرا لمجموعته الفنية الثمينة, إلا انه بناءا على رغبته وتنفيذا لوصية زوجته تحول هذا القصر في 23 يوليو 1962 إلى هذا المتحف, إلا أن المتحف تم إخلاؤه عام 1972، ليلحق بمسكن الرئيس السابق أنور السادات، وتم تخزين الأعمال العظيمة التي كان يحتويها، ثم أُعيد افتتاح المتحف في سبتمبر 1995 بعد تطويره، وقد أُنفق عليه حوالي (20 ) مليون جنيه مصري.

أما القصر الواقع على نيل الجيزة، والبالغ مساحته حوالي 8 آلاف متر فيرجع تاريخ بناءه إلى عام 1915م, يضم 208 لوحة ومجموعة قيمة من الفازات النادرة من فرنسا والصين واليابان وإيران, إلى جانب مجموعة كبيرة أخرى من المشغولات الفنية صغيرة الحجم, التي أتقن الفنان الصيني صنعها من الأحجار الثمينة كالكريستال دي روش والجاد والزمرد والمرجان, وضم أيضا المتحف مجموعة كبيرة من التماثيل البرونزية والرخامية والجصية لكبار مثالي القرن التاسع عشر, كأعمال رودان, وكاربو, وكوردييه, وباري, وهودون, ويشمل المتحف مجموعة نادرة من علب "الأنرو" ذات الطراز الياباني.
وتستغل الأدوار الأرضي والأول والثاني في عرض مقتنيات المتحف والذي يبلغ عدد قاعاته عشرين قاعة, خمسة بالدور الأرضي, وثمانية بالدور الأول, وسبعة في الدور الثاني, أما الدور تحت الأرضي فتشغله الإدارة والمكتبة ومركز المعلومات وقاعة كبيرة لمناقشة البحوث, وذلك تحت إشراف الفنانة ريم بهير مديرة المتحف.

وقد ارتبطت حركة النهضة في مصر منذ اواخر القـرن الماضي بمدى اهتمام الحاكم، وطبقة الأغنياء بالعلم والفنون، وهذه حقيقة اكدتها حركة تطور الفنون في مصر.
فمنذ إرسال البعثات الأولى التي أرسلها محمد علي إلى فرنسا، وتبني حفيده اسماعيل فكرة إعادة صياغة مصر لتكون قطعة من اوروبا باستيحائه فكرة الحضارة الحديثة عبر البرلمان، والأحزاب، وفتح المدارس الحديثة، وطراز العمارة، وتبني افكار التنوير، والاهتمـام بنشر الثقافـة من خـلال الجرائد والمجلات والترجمة.

منذ ذلك التاريخ ومشروع النهضة يتبناه الأغنياء.

نحن لم نعرف بعد صاحب القصر ولم نعرف أيضا عصره.
ولد محمود خليل في القاهرة عام 1877 م, وتوفى بباريس في 31 ديسمبر عام 1953 م , وهو ابن ابراهيم باشـا خليل الذي كان يشغل وظيفة مهمة في الديوان الخديوي، وكانت أمه يونانية تنتمي لإحدى حضارات البحـر المتوسط، وجد نفسط يسعى بين القصور ويشاهد اعمال الفنانين، ويسمع الموسيقى بألاتها الغريية مع الفرق التي كانت تزور قصر الخديوي الجديد.

وكانت عائلته عائلة ثرية تمتلك أراضيَ زراعية شاسعة؛ ولهذا درس الزراعة، لكنه سافر إلى باريس لدراسة
القانون في جامعة "السوربون" عام 1897، وهناك تزوج "إميلين هيكتور" الفتاة المنتمية إلى الطبقة الفرنسية المتوسطة في عام 1903، والتي كانت تدرس الموسيقى, وقد عرف هواية جمع روائع الأعمال الفنية عن طريق زوجته.
يلتحق بمدرسة الليسيه فرانسيه بالقاهرة تم يسـافر إلى باريس ليـدرس القـانون بجـامعة السوربون، وهناك تفتح له مدينة النور أبوابها ليتعرف على روح الحضارة.

تقلد خليل في حياته مناصب متعددة, كان وزيراً للزراعة في عام 1937, ورئيساً لمجلس الشيوخ عام 1939, كما أدى دوراً هاماً في الحياة الثقافية في مصر, حيث كان راعياً للحركة الفنية التشكيلية بها, فهو أول من شارك في تأسيس جمعية محبي الفنون الجميلة مع الأمير يوسف كمال عام 1924, والتي تولى رئاستها عام 1925.

كان محمود خليل يجول بلدان العالم باحثا عن لوحات أشهر الفنانين لينتقى منها ما يشتريه ويجلبه لمصر, وكان له دورا هاما في التبادل الثقافي والفني بين مصر وفرنسا, جعله ينال في ذلك الوقت أرفع الأوسمة والنياشين الفرنسية.

• حيث كان كوميسيرا عاما للجناح المصري في المعرض الدولي للفنون الذي أقيم بباريس عام 1937.
• وساهم في إقامة معرض فرنسي للفنون الجميلة وفن الديكور بالقاهرة في عام 1938.
• وفي أكتوبر 1948 أنتخب مراسلا للأكاديمية الفرنسية للفنون الجميلة, وأصبح عضوا بها عام 1949.
• كما أشرف عام 1949على إقامة معرض بباريس لفن الديكور تحت عنوان "مصر – فرنسا".

يقول الكاتب محمد سلماوي: "سيبقى محمد محمود خليل من أكثر الشخصيات التي يحيط بها الغموض وتتضارب حولها الاراء، فهو من ناحية رجل سياسة مقتدر شغل منصب الوزير وعضو مجلس الشيوخ ثم انتخب رئيسا للمجلس ثلاث دورات متتالية، لكنه يذكر أكثر بمجموعته الفنيـة النادرة التي تحـولت إلى واحـد من أهم المتاحف في مصر وهو أخر الامر صاحب واحدة من أكثر الهبات العامة سخاء، فهو قد وهب أبناء بلده متحفا فنيا نادرا على رغم أنه لم يوص بذلك في وصيته.

ولنتحدث قليلا عن المتحف واهم مقتنياتيه الثمينة.
في المتحف أعمـال الذين مهدوا الأرض للمدرسة التاثيرية، هنا "ديجا" ولوحاته التعبيرية "تولوز لوتريك" وأعمال روما نسية "ديلاكروا" إلى جانب واقعية "ميليه" وكلاسيكية "فيترهالتر" وجمع من المستشرقين الذين عشقوا شمس الشرق وإنسانه، وعاداته وتقاليده أمثال فورمنتان، وبيرشيد، وماريلات، وجبرييل بيسي، نصعد على درجات مفروشة بسجاد احمر، على بسطتها فتارين مزدحمة بتماتيل وقطع صغيرة من الكريستال.

فازات نادرة من "السيفر، الفرنسي، ومن ألفن الصـيني واليـاباني والتـركي والإيراني، وقطع صغيرة أتقن إبداعها الفنان الصيني من احجار الجاد والزمرد والكرشمتال والمرجـان. قنينات صغيرة لحفض التبغ والنشوق، وتماثيل من البرونز والرخـام والجص لكبار مثـالي القرن الماضي كاعمال "رودان" الرهيب، قمة النحت الفرنسي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في الممر تمثال للروائي الفرنسي "بلزاك" نحته المثال نفسه ليؤكد الاتجاه التاثيري.

ويضوي المتحف بالمجموعة الفرنسـية من اللوحات والتماثيل لأنجب فناني القرن التاسع عشر "هوابين" "رينوار" "مـاري كـانت" "شاسيـرو" "كوربيه" " ديجـا" "هنري بلاتور" "جـوجـان" " مانيه" "مونيه " "جوستاف مورو" "بيارو" "فان جوخ" "تولوز لوتريك "، "كا ربيو" " فونتان"، وغيرهم. ومن أشهر الأعمال الموجودة بالمتحف تمثال "نداء السلاح" من البرونز, والذي يوضع في القاعة المستديرة بالدور الأرضي, وهو للفنان رودان الذي يعد من رواد المدرسة التأثيرية في النحت.

ولكن الأشهر هي لوحة زهرة الخشخاش "آنية وأزهار" للفنان الهولاندي فان جوخ والتي أثيرت حولها ضجة عندما سرقت في عام 1978, وأعيدت بعدها بقليل إلى المتحف بطريقة غامضة، وهي توضع في الدور الأول بقاعة بمفردها؛ وذلك لأهميتها, ولقد تم طلاء هذه الغرفة باللون الداكن, ووضع مجموعة من المقاعد لإتاحة الفرصة لرؤيتها والاستمتاع بها.
كما وضعت لوحة "الحياة والموت" للفنان جوجان أيضا بفردها في غرفة واحدة, وقد أختيرت لتكون البوستر الأساسي لمعرض أورساي بفرنسا عام 1994.

تدخل إلى حجرة جوجان وفان جوغ، الآن صمت فوق الصمت، وسواد يغلف الجدران، وبعض من كراس
مصفوفة على الارض، ويسقط من السقف ضوء لمصباحين على لوحتي زهرة الخشخاش ولوحة المستحمات أو الحياة والموت لجوجان.

أعتقد ان مجموعة محمد محمود خليل من أكبر المجموعات الفنية الشخصية في الشرق التي تنتسب إلى فنانين عظام قادوا الحركة الفنية في أورويا (بالذات في فرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر) والتي مهدت للاتجاهات الجديدة من فن القرن العشرين.

ويجانب اللوحات المتنوعة، مجموعة الفازات النادرة والأحجار الكريمة مثل الزمرد والكريستال وأعمال اللاكر من العلب والمشغولات وتلك التي صنعها الفنانون الصينيون والتماليل البرونزية والرخامية والجصية وبعض التماثيل الغرعونية التي صنعها الفنان المصري القديم..