رســـــايـــــــل
جمعية أهلية مصرية

اجمل لوحة رسمتها فى حياتى

سالم صلاح
فنان تشكيلى
مدير متحف محمود خليل سابقا

عشت فترة طويلة فى لندن فى حى جميل، فيه قيم النظافة والنظام والتناسق فى كل ما تقع عين الإنسان، هو حى "ريد شموند" بلندن وبعد غياب عن أرض الوطن 25 عاما قررت العودة منذ 15 عاما، وكنت سعيد بهذه العودة التى سوف تجمعنى بالأهل والأصدقاء ورموز الفنانين والأدباء وغيرهم.

وبعد فترة قصيرة اكتشف ان القاهره مدينة اسمنتيه، ينتشر التلوث البصرى المتعدد من هواء وضوضاء وافتقدت القيم الجمالية من تنسيق ونظافة كما ظهرت مدى تأثيرات هذه الملوثات البصرية على مستوى التذوق الجمالي، فانعكست هذه المظاهر سلبيا على سلوك الإنسان النفسى، وروئيته للعالم من حوله.

منزل الفنان سالم صلاح بطنطالذا قررت الهروب الى الريف المصرى القريب من طنطا واشتريت حديقة موالح من البرتقال والمانجو بها منزل صغير، ويحيط هذه الحديقة نهر النيل العظيم، وقمت بتحويل المنزل الى مرسم صالح للإقامة والرسم.

وهذا المكان الرائع ساعدنى على الإبداع والإحساس بالمتعة والراحة، وكنت سعيد لاستضافة اصدقائى الفنانين وغيرهم من رموز الحركة الثقافية والأجانب.

وتكمن هنا أهمية اختيارى للمكان والمرسم الذى أعيش فيه، ولكن سرعان ما اكتشفت ان الحفاظ على الجمال والبيئة غير مدرج فى ثقافة أبناء القرية بسبب انتشار التواكل والقصور من جانب المحليات ومن جانب الأفراد فكانت مظاهر القبيح مثل رمى المخلفات فى مياه النيل وغيرها فى مداخل القرية والشوارع سببا أساسيا لفقدان الإحساس بالجمال، تجاه البيئة المحيطة بهم لافتقارهم قيم النظافة والنظام فى القرية.

مستشاراً بمحكمة الاستئناف الأهلية هذه المظاهر السلبية تستفزنى كثيرا ورغم اننى أرسلت العديد من الشكاوى الى الإدارة المحلية ووزارة البيئة ولن يصلنى اى رد منهم كنت اشعر بالإحباط وفقدان الأمل.

وعندما انفجرت ثورة الشباب فى يناير، شعرت بالفخر والعزة والأمل يعود لى مرة اخرى.

لذا قررت أن ارسم اجمل لوحة فى حياتى هذه اللوحة ليست على ورق او قماش ولكن على ارض الواقع وكانت ادواتى هم شباب القرية المتواجد بها مرسمى.

دعوت عشرين منهم أعمار لا تتجاوز من 13- 25 سنه على حفلة من الشاى والمثلجات وكنت سعيد بلقائهم وكنت حريص ان اسمعهم ، واتفقنا على ان لا نتحدث فى السياسة أو الدين وكان حديثنا هو كيف نحافظ على البيئة من حولنا ومن هنا تأتى الى أهمية اختيار هذه المجموعة من الشباب وهدفى جعلهم أكثر قدرة على اكتشاف البيئة من حولهم فى هذه المرحلة الثورية سوف ينمو لديهم مفهوم الوطن والمكان ودلالته ومن ثم المحافظة على بيئتهم.

واستمعت الى مقترحاتهم لتفعيل فكرة المحافظة على نظافة النيل وشوارع القرية وكانت مقترحاتهم التى تتلخص فى ثلاث نقاط كالاتى:
المقترح الاول: شراء صناديق للمخلفات وفرزها والاتصال بالمسئولين من الإدارة المحلية لتجميعها وتم تنفيذه.
المقترح الثانى: أن ينتشر من شبابها لتوعية أهاليهم وزاويهم بأهمية النظافة وعدم رمى المخلفات فى نهى النيل . وتم تنفيذه .
والمقترح الثالث: هو أن نقوم بشراء أدوات نظافة وأكياس لتجميع المخلفات الموجودة فى مداخل الطريق والشوارع وكنت اول من بادر معهم بجمع هذه المخلفات حتى نكون مثل اعلى لكل مواطن فقد إحساسه بالجمال والمسئولية الاجتماعية ، وكانت تجربة رائده رغم اننا وجدنا بعض المشاكل البسيطة والقصور من بعض الأفراد إلى أن هؤلاء الشباب كانت قادرين لتحويل الظلام الى نور وتحويل القبح الى جمال من حولهم وتم تفعيل فكرة الثورة الشبابية رغم أن عمرى تجاوز الستون عاما ومازال ايمانى بهؤلاء الشباب عظيم و شعرت بالمتعة والراحة والرضا عندما اكتشفت اننى رسمت أجمل لوحة فى حياتى وهى تفعيل دور الجمال على ارض الواقع من خلال شباب القرية.